فصل: ذكر وفاة السلطان سنجر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وخمسمائة

ذكر أخبار الغز فـي هذه السنة في المحرم انهزم السلطان سنجر من الأتراك الغز وهم طائفة من الترك وكانوا بما وراء النهر فلما ملكه الخطا أخرجوهم منه فقصدوا خراسـان وكانـوا كفـاراً وكـان مـن أسلـم منهـم وخالط المسلمين يصير ترجماناً بين الفريقين حتى صار من أسلم منهم قيل عنه إنه صار ترجماناً ثم قيل تركماناً بالكاف العجمية وجمع على تراكمين ثم أسلم الغز جميعهم فقيل لهم تراكميـن ولمـا قدمـوا إلـى خراسـان أقامـوا بنواحـي بلخ مدة طويلة ثم عن للأمير قماج مقطع بلخ أن يخرجهم من بلاده فامتنعوا فسار قماج إليهم في عشرة آلاف فارس فحضر إليه كبراء الغز وسألوه أن يكف عنهم ويتركهم في مراعيهم ويعطوه عن كل بيت مائتي درهم فلم يجبهم إلى ذلـك وأصر على إخراجهم أو قتالهم فاجتمعوا واقتتلوا فانهزم قماج وتبعه الغز يقتلون ويأسـرون ثـم عاثـوا فـي البلـاد فاسترقـوا النساء والأطفال وخربوا المدارس وقتلوا الفقهاء وعملوا كل عظيمة ووصل قماج إلى السلطـان سنجـر منهزمـاً وأعلمـه بالحـال فجمـع سنجـر عساكره وسار إليهم في مائة ألف فارس فأرسل الغز يعتذرون إليه مما وقع منهم وبذلوا له بذلاً كثيراً ليكف عنهم فلم يجبهم وقصدهم ووقعت بينهم حرب شديدة فانهزمت عساكر سنجر وتبعه الغز يقتلون فيهم ويأسرون فقتل علاء الدين قماج وأسر السلطان سنجر وأسر معه جماعة من الأمراء فضربوا أعناقهم‏.‏

وأما سنجر فلما أسروه اجتمع أمراء الغز وأقبلـوا الأرض بين يديه وقالوا له‏:‏ نحن عبيدك لا نخرج عن طاعتك‏.‏

وبقي معهم كذلك شهرين أو ثلاث‏.‏

ودخلوا معه إلى مرو وهي كرسي ملك خراسان فطلبها منه بختيار إقطاعاً وهو من أكبر أمـراء الغـز فقـال سنجـر‏:‏ هـذه دار الملـك ولا يجـوز أن تكـون إقطاعـاً لأحد فضحكوا منه وحبق له بختيار بفمه فلما رأى سنجر ذلك نزل عن سرير الملك ودخل خانقاه مرو وتاب من الملك واستولى الغز على البلاد فنهبوا نيسابور وقتلوا الكبار والصغار وقتلوا القضاة والعلماء والصلحاء الذين بتلك البلاد فقتل الحسين بن محمد الأرسانيدي والقاضي علـي بـن مسعـود والشيخ محي الدين محمد بن يحيى الفقيه الشافعي الذي لم يكن في زمانه مثله وكان رحلة الناس من الشرق والغرب وغيرهم من الأئمة والفضلاء ولم يسلم شيء من خراسان من النهب غير هراة ودهستان لحصانتهما‏.‏

ولما كان من هزيمة سنجر وأسره ما كان اجتمع عسكره على مملوك لسنجر يقال له أي بـه ولقبـه المؤيـد واستولـى المؤيد على نيسابور وطوس ونسا وأبيورد وشهرستان والدامغان وأزاح الغز عنها وأحسن السيرة في الناس وكذلك استولى في السنة المذكورة على الري مملوك لسنجر يقال له إينانج وهادى الملوك واستقر قدمه وعظم شأنه‏.‏

في هذه السنة قتل العادل بن السلار وزير الظافر العلوي‏.‏

قتله ربيبه عباس بن أبي الفتوح الصنهاجي بإشارة أسامة بن منقذ وكان العادل قد تزوج بأم عباس المذكور وأحسن تربية عباس فجازاه بأن قتله وولي مكانه وكانت الوزارة في مصر لمن غلب‏.‏

وفيها كان بين عبد المؤمن ملك الغرب وبين العرب حرب شديد انتصـر فيهـا عبـد المؤمـن‏.‏

وفيهـا مـات رجـار الفرنجي ملك صقلية بالخوانيق وكان عمره قريب ثمانين سنة وملكه نحو عشرين سنة وملك بعده ابنه غليالم‏.‏

وفيهـا فـي رجـب توفـي بغزنـة بهرام شاه بن مسعود بن إبراهيم السبكتكيني صاحب غزنة وقام بالملك بعده ولده نظام الدين خسروشاه وكانت مدة ملك بهرام شاه نحو ست وثلاثين سنة وذلـك مـن حيـن قتـل أخـاه أرسلـان شاه بن مسعود في سنة اثنتي عشرة وخمسمائة وكان ابتداء ولايته من حين انهزم أخوه قبل ذلك في سنة ثمان وخمسمائة حسبما تقدم ذكره في السنة المذكورة وكان بهرام شاه حسن السيرة‏.‏

وفيها ملك الفرنج مدينة عسقلان وكانت لخلفاء مصر والوزراء يجهزون إليها فلما كانت هذه السنة قتل العادل بن السلار واختلفت الأهواء في مصر فتمكن الفرنج من عسقلان وحاصروها وملكوها‏.‏

وفيهـا توفـي أبـو الفتـح محمـد بـن عبـد الكريم بن أحمد الشهرستاني المتكلم على مذهب الأشعري وكان إماماً في علم الكلام والفقه وله عدة مصنفات منها‏:‏ نهاية الإقدام في علم الكلام والملل والنحـل والمناهـج وتلخيـص الأقسـام لمذاهب الأنام‏.‏

ودخل بغداد سنة عشر وخمسمائة وكانـت ولادتـه سنـة سبـع وستيـن وأربعمائـة بشهرستـان‏.‏

وتوفـي بهـا وشهرستان اسم لثلاث مدن‏:‏ الأولى شهرستان خراسـان بيـن نيسابـور وخـوارزم عنـد أول الرمـل المتصـل بناحيـة خـوارزم وهي التي منها محمد الشهرستاني المذكور وبناها عبد الله بن طاهر أمير خراسان‏.‏

والثانية شهرستان بأرض فارس‏.‏

والثالثة مدينة جي بأصفهان يقال لها شهرستان وبينها وبين اليهودية مدينة أصفهان نحو ميل ومعنى هذه الكلمة مدينة الناحية بالعجمي لـأن شهـر اسـم المدينـة راستان الناحية‏.‏

  ثم دخلت سنة تسع وأربعين وخمسمائة

قتل الظافر وولاية ابنه الفائز فـي هـذه السنـة فـي المحـرم قتـل الظافـر باللـه أبو منصور إسماعيل ابن الحافظ لدين الله عبد المجيد العلوي قتله وزيره عباس الصنهاجي وسببه أنه كان لعباس ولد حسن الصورة يقال له نصر فأحبـه الظافـر ومـا بقـي يفارقه وكان قد قدم من الشام مؤيد الدولة أسامة بن منقذ الكناني في وزارة العدل فحسن لعباس قتل العادل فقتله وتولى مكانه ثم حسن لعباس أيضاً قتل الظافر فإنه قال له‏:‏ كيف تعبر على ما أسمع من قبيح القول فقال له عباس‏:‏ ما هو فقال‏:‏ إن الناس يقولون إن الظافر يفعل بابنك نصر‏.‏

فأنف عباس وأمر ابنه نصراً فدعا الظافر إلى بيته وقتلاه وقتـلا كـل من معه وسلم خادم صغير فحضر إلى القصر وأعلمهم بقتل الظافر ثم حضر عباس إلى القصر وطلب الاجتماع بالظافر وطلبه من أهل القصر فلم يجدوه فقال‏:‏ أنتم قد قتلتموه فأحضر أخوين للظافر يقال لهما يوسف وجبريل وقتلهما عباس المذكور أيضاً‏.‏

ثم أحضر الفائز بنصر الله أبا القاسم عيسى بن الظافر إسماعيل ثاني يوم قتل أبوه وله من العمر ثلاث سنين فحمله عباس على كتفه وأجلسه على سرير الملك وبايع له الناس وأخذ عباس من القصر من الأموال والجواهر النفيسة شيئاً كثيراً ولما فعل عباس ذلك اختلفت عليه الكلمة وثارت الجند والسودان وكان طلائع بن رزيك في منية ابن خصيب والياً عليها فأرسل إليه أهل القصر من النسـاء والخـدم يستغيثـون بـه وكان فيه شهامة فجمع جمعه وقصد عباساً فهرب عباس إلى نحو الشـام بمـا معه من الأموال والتحف التي لا يوجد مثلها ولما كان في أثناء الطريق خرجت الفرنج على عباس المذكور فقتلوه وأخذوا ما كان معه وأسروا ابنه نصراً وكان قد استقر طلائع بن رزيك بعد هرب عباس في الوزارة ولقب الملك الصالح فأرسل الصالح بن رزيك إلى الفرنج وبذل لهم مالاً وأخذ منهم نصر بن عباس وأحضره إلى مصر وأدخل القصر فقتل وصلـب على باب زويلة وأما أسامة ابن منقذ فإنه كان مع عباس فلما قتل عباس هرب أسامة ونجا إلى الشام ولما استقر أمر الصالح بن رزيك وقع في الأعيان بالديار المصرية فأبادهم بالقتل والهروب إلى البلاد البعيدة‏.‏

ذكر حصر تكريت في هذه السنة سار المقتفي لأمر الله الخليفة بعساكر بغداد وحصر تكريت وأقام عليها عدة مجانيق ثم رحل عنها ولم يظفر بها‏.‏

ملك نور الدين محمود بن زنكي دمشق وأخذهـا مـن صاحبهـا مجيـر الديـن أبـق بـن محمد بن توري بن طغتكين كان الفرنج قد تغلبوا بتلك الناحيـة بعـد ملكهـم مدينـة عسقلـان حتـى أنهـم استعرضـوا كـل مملـوك وجاريـة بدمشق من النصارى وأطلقوا قهراً كل من أراد منهم الخروج من دمشق واللحوق بوطنه شاء صاحبه أو أبى فخشي نور الدين أن يملكوا دمشق فكاتب أهل دمشق واستمالهم في الباطن ثم سار إليها وحصرها ففتح له باب الشرقي فدخل منه وملك المدينة وحصر مجير الدين في القلعة وبذل له إقطاعاً من جملته مدينة حمص فسلم مجير الدين القلعة إلى نور الدين وسـار إلـى حمص فلم يعطه إياها نور الدين وأعطاه عوضها بالس فلم يرضها مجير الدين وسار عنها إلى العراق وأقام ببغداد وابتنى داراً بقرب النظامية وسكنها حتى مات بها‏.‏

وفي هذه السنة والتي بعدها ملك نور الدين قلعة تل باشر وأخذها من الفرنج‏.‏

  ثم دخلت سنة خمسين وخمسمائة

في هذه السنة سار الخليفة المقتفي إلى دقوقا فحصرها وبلغه حركة عسكر الموصل إليه فرحل عنها ولـم يبلـغ غرضـاً‏.‏

وفيهـا هجـم الغـز تيسابـور بالسيف وقيل كان معهم السلطان سنجر معتقلاً وله اسم السلطنة ولكن لا يلتفت إليه وكان إذا قدم إليه الطعام يدخر منه ما يأكله وقتاً آخر خوفاً من انقطاعه عنه لتقصيرهم في حقه‏.‏

  ثم دخلـت سنـة إحـدى وخمسيـن وخمسمائـة

فـي هـذه السنـة ثـارت أهـل بلـاد إفريقيـة علـى مـن بهـا من الفرنج فقتلوهم وسار عسكر عبد المؤمن فملك بونة وخرجت جميع إفريقية عن حكـم الفرنج ما عدا المهدية وسوسة‏.‏

وفيها قبض زين الدين علي كوجك نائب قطب الدين مودود بن زنكي بن أقسنقر صاحب الموصل على الملك سليمان شاه ابـن السلطـان محمـد بـن ملكشـاه السلجوقـي وكـان سليمـان المذكور قد قدم إلى بغداد وخطب له بالسلطنة في هذه السنة وخلع عليه الخليفة المقتفي وقلده السلطنة على عادتهم وخرج من بغداد بعسكر الخليفة ليملك به بلاد الجبل فاقتتل هو وابـن عمـه السلطان محمد بن محمود بن محمد بن ملكشاه فانهزم سليمان شاه وسار يريد بغداد على شهرزور فخرج إليه علي كوجك بعسكر الموصل فأسره وحبسه بقلعة الموصل مكرماً إلى أن كان منه ما نذكره في سنة خمس وخمسين‏.‏

ذكر وفاة خوارزم شاه في هذه السنة تاسع جمادى الآخرة توفي خوارزم شاه أطسز بن محمد بن أنوش تكين وكان قـد أصابـه فالج فاستعمل أدوية شديدة الحرارة فاشتد مرضه وتوفي وكانت ولادته في رجب سنة تسعين وأربعمائة وكان حسن السيرة ولما توفي ملك بعده ابنه أرسلان بن أطسز‏.‏

  ذكر وفاة ملك الروم

وفي هذه السنة توفي الملك مسعود بن قليج أرسلان بن سليمان بن قطلومش بن أرسلان بن سلجوق صاحب قونية وغيرها من بلاد الروم ولما توفي ملك بعده ابنـه قليـج أرسلـان بـن مسعود بن قليج أرسلان المذكور‏.‏

ذكر هرب السلطان سنجر من أسر الغز فـي هـذه السنة في رمضان هرب السلطان سنجر بن ملكشاه من أسر الغز‏.‏

وسار إلى قلعة ترمذ ثم سار من ترمذ إلى جيحون ووصل إلى دار ملكه بمرو في رمضان من هذه السنة فكانـت مـدة أسـره مـن سـادس جمـادى الأولـى سنـة ثمـان وأربعيـن إلـى رمضـان سنـة إحدى وخمسين وخمسمائة‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث في هذه السنة بايع عبد المؤمن لولده محمد بولاية العهد بعده وكانت ولاية العهد لأبي حفص عمر وكان من أصحاب ابن تومرت وهو من أكبر الموحدين فأجاب إلى خلع نفسه والبيعة لابن عبد المؤمن‏.‏

وفيها استعمل عبد المؤمن أولاده على البلاد فاستعمل ابنه عبد الله على بجاية وأعمالها وابنه عمـر علـى تلمسـان وأعمالهـا وابنـه عليـاً علـى فـارس وأعمالها وابنه أبا سعيد على سبتة والجزيرة الخضراء ومالقة وكذلك غيرهم‏.‏

وفـي هـذه السنـة سار الملك محمد ابن السلطان محمود السلجوقي من همذان بعساكر كثيرة إلى بغـداد وحصرهـا وجـرى بينهـم قتـال وحصن الخليفة المقتفي دار الخلافة واعتد للحصار واشتد الأمر على أهـل بغـداد وبينمـا الملـك محمـد علـى ذلـك إذ وصـل إليـه الخبـر أن أخـاه ملكشاه ابن السلطان محمود والدكز صاحب بلاد أران ومعه الملك أرسلان ابن الملك طغريل بن محمد وكان الدكز مزوجاً بأم أرسلان المذكور قد دخلوا إلى همذان فرحل الملك محمد وفيها احترقت بغـداد فاحتـرق درب فراشـا ودرب الـدواب ودرب اللبـان وخرابـة ابـن جـردة والظفرية والخاتونية ودار الخلافة وباب الأدج وسوق السلطان وغير ذلك‏.‏

وفيهـا توفـي أبـو الحسـن بـن الخـل شيـخ الشافعية في بغداد وهو من أصحاب الشاشي وجمع بين العلم والعمل‏.‏

وتوفي ابن الآمدي الشاعر وهو من أهل النيل في طبقة الغزي والأرجاني وكان عمره قد زاد على تسعين سنة‏.‏

وفيها قتل مظفر بن حماد صاحب البطيحة قتل في الحمام وتولى بعده ابنه‏.‏

وفيها توفي الوأواء الحلبي الشاعر المشهور‏.‏

وفيها توفي الحكيم أبو جعفر بن محمد البخاري بإسفرائين وكان عالماً بعلوم الفلسفة‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة

ذكر الزلازل بالشام

وأخبار بني منقذ أصحاب شيزر إلى أن ملك نور الدين شيزر‏:‏ في هذه السنة في رجب كان بالشام زلازل قوية فخربت بها حماة وشيزر وحمص وحصن الأكراد وطرابلس وأنطاكية وغيرها من البلاد المجاورة لها حتى وقعـت الأسـوار والقلـاع فقـام نور الدين محمود بن زنكي في ذلك الوقت المقام المرضي من تداركها بالعمارة وإغارته على الفرنج ليشغلهم عن قصد البلاد هلك تحت الهدم ما لا يحصى ويكفـي أن معلـم كتـاب كـان بمدينة حماة فارق المكتب وجاءت الزلزلة فسقط المكتب على الصبيان جميعهم قال المعلم‏:‏ فلم يحضر أحد يسأل عن صبي كان له هناك ولما خربت قلعة شيزر بهذه الزلزلة ومات بنو منقذ تحت الردم سار الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي إلى شيزر وملكها يوم الثلاثاء ثالث جمادى الأولى من سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة واستولى على كل من فيها لبني منقذ سلمها إلى مجد الدين أبي بكر ابن الداية وقد ذكر ابن الأثير أن شيزر لم تزل لبني منقذ يتوارثونها من أيام صالح بن مرداس صاحب حلب وليـس الأمـر كذلـك فـإن صالـح المذكـور كانت وفاته في سنة عشرين وأربعمائة وملك بني منقذ لشيزر كان في سنة أربع وسبعين وأربعمائة فيكون ملكهم لشيزر بعد وفاة صالح بن مرداس بأربع وخمسين سنة ونحن نورد أخبار بني منقذ محققة حسبما نقلناها من تاريخ مؤيد الدولة سامة ابن مرشد وكان المذكور أفضـل بنـي منقـذ قـال‏:‏ وفـي سنـة ثمـان وستيـن وأربعمائـة بدأ جدي سديد الملك أبو الحسن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني بعمارة حصن الجسر وحصر به حصن شيزر‏.‏

أقول ويعرف الجسر المذكور في زماننا بجسر ابن منقذ وموضع الحصن اليوم تل خال من العمارة وهـو غربـي شيـزر علـى مسافـة قريبـة منهـا - رجعنـا إلـى كلـام ابـن منقذ قال‏:‏ وكان في شيزر وال للروم اسمه دمتري فلما طالـت المضايقـة لدمتـري المذكـور راسـل جـدي هـو ومـن عنـده مـن الروم في تسليم حصن شيزر إليه باقتراحات اقترحوها عليـه منهـا مـال يدفعـه إلـى دمتـري المذكور ومنها إبقاء أملاك الأسقف الذي بها عليه فإنه استمر مقيماً تحت يد جدي حتـى مات بشيزر ومنها أن القنطارية وهم رجالة الـروم يُسلّفهـم ديوانهـم لثلـاث سنيـن فسلـم إليهـم جدي ما التمسوه وتسلم حصن شيزر يوم الأحد في رجب سنة أربع وسبعين وأربعمائة واستمـر سديـد الملـك علـي بـن مقلـد المذكـور مالكهـا إلـى أن توفـي فيهـا فـي سادس المحرم سنة تسع وسبعيـن وأربعمائـة وتولـى بعـده ولـده أبـو المرهـف نصـر بـن علـي إلى أن توفي سنة إحدى وتسعين وأربعمائـة‏.‏

وتولـى بعـده أخـره أبـو العساكـر سلطـان بـن علـي إلـى أن توفـي فيهـا وتولـى ولده محمد بن سلطان إلى أن مات تحت الردم هو وثلاثة أولاده بالزلزلة في هذه السنة المذكورة أعني سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة في يوم الاثنين ثالث رجب‏.‏

انتهى ما نقلناه من تاريخ ابن منقذ ولنرجع إلى كلام ابن الأثير‏.‏

قـال‏:‏ فلمـا انتهـى ملك شيزر إلى نصر بن علي بن نصر بن منقذ استمر فيها إلى أن مات سنة إحدى وتسعين وأربعمائة فلما حضره المـوت استخلـف أخـاه مرشـد بـن علـي علـى حصـن شيزر فقال مرشد‏:‏ والله لا وليته ولأخرجن من الدنيا كما دخلتهـا ومرشـد هـو والـد مؤيـد الدولة أسامة بن منقذ فلما امتنع مرشد من الولاية ولاّها نصر أخاه الصغير سلطان بن علي واستمر مرشد مع أخيه سلطان على أجمل صحبة مدة من الزمان وكان لمرشد عدة أولاد نجباً ولم يكن لسلطان ولد ثم جاء لسلطان الأولاد فخشي على أولاده من أولاد أخيه مرشد وسعـى المفسدون بين مرشد وسلطان فتغير كل منهما على صاحبه فكتب سلطان إلى أخيه مرشد أبياتاً يعتبه وكان مرشد عالماً بالأدب والشعر فأجابه مرشد بقصيدة طويلة منها‏:‏ شكت هجرنا والذنب في ذاك ذنبها فيا عجبا من ظالم جاء شاكيا وطاوعت الواشين في وطال ما عصيت عذولاً في هواها وواشيا ومال بها تيه الجمال إلى القلـى وهيهات أن أمسى لها الدهر قانيا ومنها‏:‏ ولما أتانـي مـن قريظـك جوهـر جمعت المعالي فيه لي والمعانيـا وكنت هجرت الشعر حيناً لأنه تولى برغمي حين ولـى شبابيـا ومنها‏:‏ وقلت أخي يرعى بنيّ وأسرتي ويحفـظ عهـدي فيهـم وذماميـا تنكرت حتى صار برُّكَ قسوة وقربُك منهم جفوةً وتنائيا على أنني ما حلت عما عهدته ولا غيرت هذي السنون وداديا وكان الأمر بين مرشد وأخيه سلطان فيه تماسك إلى أن توفي مرشد سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة فأظهر سلطان التغير على أولاد أخيه مرشد المذكور وجاهرهم بالعداوة ففارقوا شيزر وقصد أكثرهم نور الدين محمود بن زنكي وشكوا إليه من عمهم سلطان فغاظه ذلك ولم يمكنه قصده لاشتغاله بجهاد الفرنج وبقي سلطان كذلك إلى أن توفي وولي بعده أولاده‏.‏

فلما خربت القلعة في هذه السنة بالزلزلة لم ينج من بني منقذ الذين كانوا بهـا أحـد فـإن صاحبهـا منهـم كان قد ختن ولده وعمل دعوة للناس وأحضر جميع بني منقذ في داره فجاءت الزلزلـة فسقطـت الـدار والقلعـة عليهـم فهلكـوا عـن آخرهـم وكـان لصاحـب شيـزر بـن منقذ المذكور حصان يحبه ولا يزال على باب داره فلما جاءت الزلزلة وهلك بنو منقذ تحت الهدم سلم منهم واحد وهرب يطلب باب الدار فلما خرج من الباب رفسه الحصان المذكور فقتله وتسلم نور الدين القلعة والمدينة‏.‏

  ذكر وفاة السلطان سنجر

في هذه السنة في ربيع الأول توفي السلطان سنجر بن ملكشاه بن أبى أرسلان بن داود بن ميكائيـل بـن سلجـوق أصابـه قولنـج ثم إسهال فمات منه‏.‏

ومولده بسنجار في رجب سنة تسع وسبعيـن وأربعمائة واستوطن مدينة مرو من خراسان وقدم إلى بغداد مع أخيه السلطان محمد واجتمـع معـه بالخليفـة المستظهـر فلمـا مـات محمـد خوطب سنجر بالسلطان واستقام أمره وأطاعته السلاطين وخطب له على أكثر منابر الإسلام بالسلطنة نحو أربعين سنة وكان قبلها يخاطب بالملك نحو عشرين سنة ولم يزل أمره عالياً إلى أن أسره الغز ولما خلص من أسرهم وكاد أن يعود إليه ملكه أدركه أجله‏.‏

وكـان مهيبـاً كريمـاً وكانـت البلـاد فـي زمانـه آمنـة ولمـا وصل خبر موته إلى بغداد قطعت خطبته ولما حضر سنجر الموت استخلف على خراسان الملك محمود بن محمد بن بغراخان وهو ابن أخت سنجر فأقام خائفاً من الغز‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث‏:‏ في هذه السنة استولى أبو سعيد بن عبد المؤمن على غرناطة من الأندلس وأخذهـا مـن الملثميـن وانقرضـت دولـة الملثميـن ولـم يبـق لهم غير جزيرة ميورقة‏.‏

ثم سار أبو سعيد في جزيرة الأندلس وفتح المرية وكانت بأيدي الفرنج مـدة عشـر سنيـن‏.‏

وفيهـا ملـك نـور الديـن بعلبـك وأخذهـا مـن إنسـان كـان قـد استولـى عليهما من أهل البضع يقال له ضحاك البقاعي كان قد ولاه وفيها قلع المقتفي الخليفة باب الكعبة وعمل عوضه باباً مصفحاً بالفضة المذهبة وعمل لنفسه من الباب الأول تابوتاً يدفن فيه‏.‏

وفيها مات محمد بن عبد اللطيف بن محمد الخجندي رئيـس أصحـاب الشافعـي بأصفهـان وكان صدراً مقدماً عند السلاطين‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة

فيها قصد ملكشاه بن السلطان محمود السلجوقي قم وقاشان ونهبهما وكان أخوه السلطان محمـد بـن محمـود بعـد رحيلـه عـن حصـار بغـداد قـد مرض فطال مرضه فأرسل إلى أخيه ملكشاه أن يكف عن النهب ويجعله ولي عهده فلم يقبل ملكشاه ذلك ثم سار ملكشاه إلـى خورشـان واستولـى عليهـا وأخذهـا مـن صاحبهـا شملـة التركماني‏.‏

وفي هذه السنة توفي يحيى بن سلامة بن الحسن بميافارقين الحصكفي الشاعر وكان يتشيع‏.‏

ومن شعره‏:‏

وخليـع بـتُّ أعذلـه ** ويـرى عذلـي مـن العبـث

قلت إن الخمر مخبثة ** قال حاشاها مـن الخبـث

قلت فالأرفاث تتبعهـا ** قال طيب العيـش فـي الرفـث

وسأسلوها فقلت متى ** قال عند الكون في الجدث

  ثم دخلت سنة أربع وخمسين وخمسمائة

  ذكر فتح المهدية

في أواخر هذه السنة نزل عبد المؤمن على مدينة المهدية وأخذها من الفرنـج يـوم عاشـورا سنـة خمسيـن وخمسمائـة وملـك جميـع إفريقية وكان قد ملك الفرنج المهدية في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وأخذوها من صاحبها الحسن بن علي بن يحيى بن تميم الصنهاجي وبقيت في أيديهـم إلـى هـذه السنـة ففتحه عبد المؤمن فكان ملك الفرنج المهدية اثنتي عشرة سنة تقريباً ولما ملكها عبد المؤمن أصلح أحوالها واستعمل عليها بعض أصحابه وجعل معه الحسن بن علي الصنهاجي الذي كان صاحبها وكان قد سار إلى بني حماد ملوك بجاية ثم اتصل بعبد المؤمن حسبما تقدم ذكر ذلك فأقام عنده مكرماً إلى هذه السنة فأعاده عبد المؤمن إلى المهدية وأعطاه بها دوراً نفيسة وإقطاعاً ثم رحل عبد المؤمن عنها إلى الغرب‏.‏

  ذكر وفاة السلطان محمد

وفي هذه السنة وقيل في سنة خمس وخمسين توفي السلطان محمد بن محمود بن محمد بن ملكشاه‏.‏

السلجوقي في ذي الحجة وهو الذي حاصر بغداد ولما عاد عنها لحقه سل وطال به فمات بباب همدان وكان مولده في ربيع الآخر سنة اثنين وعشرين وخمسمائة وكان كريماً عاقلاً وخلف ولداً صغيراً ولما حضره الموت سلم ولده إلى أقسنقر الأحمديلي وقال‏:‏ أنا أعلم أن العساكر لا تطيع مثل هذا الطفل فهو وديعة عندك فارحل به إلى بلادك‏.‏

فرحل به أقسنقر إلى بلدة مرأغا‏.‏

ولما مات السلطان محمد اختلفت الأمراء فطائفة طلبوا ملكشاه أخاه وطائفة طلبـوا سليمـان شـاه بـن محمـد بـن ملكشـاه بن ألب أرسلان الذي كان قد اعتقل في الموصل وهم الأكثر ومنهم من طلب أرسلان بن طغريل الذي كان مع الدكز‏.‏

وبعد موت محمد سار أخوه ملكشاه إلى أصفهان فملكها‏.‏

ذكر مرض نور الدين وفي هذه السنة مرض نور الدين بن زنكي مرضاً شديداً أرجف بموته وكان بقلعة حلب فجمع أخوه أمير ميران بن زنكي جمعاً وحصر قلعة حلب وكان شيركوه بحمص وهو من أكبر أمراء نور الدين فسار إلى دمشق ليستولي عليها وبها أخوه نجم الدين أيوب فأنكر عليه أيوب ذلك وقال‏:‏ أهلكتنا والمصلحة أن تعود إلى حلب فإن كان نور الدين حياً خدمته في هذا الوقت وإن كان قد مات فإنا في دمشق نفعل ما تريد من ملكها‏.‏

فعاد شيركوه إلى حلب مجداً وجلس نور الدين في شباك يـراه النـاس فلمـا رأوه حيـاً تفرقـوا عـن أخيـه أميـر ميـران